العظيم أبوالوليد إبن رشد
المعروف بإبن رشد الحفيد
د. عاطف العراقي (أستاذ الفلسفة الإسلامية -جامعة القاهرة) : من المعروف أن في بلاد
الأندلس أكبر بلدين فيها هي قرطبة و أشبيلية
قنطرة قرطبة
كانت قرطبة موطن العلماء و المفكرين و الفلاسفة , أما أشبيلية فأهل الطرب و الغناء
وكانت قرطبة تتميز أكثر بقوة المجال الفكري ,و نشأة ابن رشد فيها ساعدته على هذه الدائرة المعرفية الفلسفية الكبيرة
وكانت فترة الموحدين أكثر رحابة من فترة المرابطين , إذ ظهرت فيها أكثر , تيارات أكثر جرأة و اتساع أفق
و ابن رشد (520 هـ- 595 هـ الموافق ل 14 إبريل 1126م، قرطبة - توفي 10 ديسمبر1198م، مراكش) نشأ في فترة الموحدين , و هناك إثنان يحملان هذا الإسم ,الجد و الحفيد ,و فيلسوفنا هو الحفيد
د. كاملو آلفريز (أستاذ التاريخ ,جامعة الدراسات العربية -إسبانيا) : بلغ الطب أقصى ازدهار له خلال القرن 12 , حيث ظهر ابن ميمونة و ابن رشد و ابن زهر ,و كان إبن رشد أشهرهم إذ كان طبيبا و فيلسوفا في آن واحد
ابن رشد في حياته , أتيح له أن يتثقف على يد كثير من العلماء في جانب الفقه , و قد تولى منصب القضاء,بل وصل الى منصب قاضي القضاة ,و هو من المناصب السامية جدا في بلاد الأندلس (بعده الخليفة) , و درس الكثير من الكتب الطبية التي ألفها فلاسفة و مفكرين أطباء من المشرق العربي , إضافة الى كتب جالينوس و غيره , و لذلك إبن رشد جمع ثلاث جوانب , جانب يتعلق بالفقه,و جانب يتعلق بالطب , و جانب يتعلق بالفلسفة
ابن رشد، جزء من إفرسك لوحة مدرسة أثينا
د . سيد نظام الدين (جامعة بريستون بأمريكا) : علم الطب قديما كان جزء من الفلسفة , مثله مثل علم الفلك و الرياضيات ( فكان يقال الفلسفة أم العلوم) و إبن رشد إمتداد لتلك السنة القديمة .و لا يزال في لغات كثيرة منها العربية , كلمة الحكيم تفيد الفيلسوف و الطبيب معا
تعرف إبن رشد من خلال إبن طفيل (الذي كان أسن منه) على الخليفة إبي يعقوب يوسف الموحدي ,و يصبح إبن رشد مقربا لهذا الخليفة المحب للعلم
كان الخليفة أبي يعقوب يقرأ في الفلسفة و مهتم بأرسطو, و كان يجد صعوبات في بعض المسائل و المصطلحات , فطلب من ابن طفيل أن يقوم بشرح كتب أرسطو
فطلب هو بدوره(ابن طفيل صاحب القصة حي بن يقضان) من إبن رشد ذلك قائلا : الخليفة يشكو من صعوبة كتب أرسطو
ولولا كبر سني لقمت بهذه المهمة (و كان إبن طفيل مشغولا جدا , يعمل داخل بلاط الخليفة كمستشار ثقافي اليوم) فأرجو أن تقوم بها
فقام بشرح تقريبا كل كتب أرسطو, شروحا على ثلاثة أنواع : شرح أصغر, شرح أوسط و شرح أكبر
الشرح الأكبر لم يقم به أي فيلسوف عربي من قبل , سواء في المشرق أو المغرب
وكان قد كتب في ذلك ألوفا من الصفحات , بحيث في عملية الشرح ,لا يشرح مؤيدا تماما للفيلسوف الذي يشرح له , بل تارة يؤيده و تارة ينقده
د. رولاند لافيت (أستاذ تاريخ الحضارات-فرنسا) : لم يأتي يوما إلى باريس
,و لكن كثر الحديث عنه هناك , قام بشرح أرسطو الذي كان مهتما به في باريس منذ قرن عن
إبن رشد , أبيلار الفيلسوف الكبير كان مهتما بأرسطو
ولكن كان ينقصنا ما سمي فيما بعد بما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا) و
إبن رشد هو الذي كتب كتابا عن ما بعد الطبيعة
و قام بترجمته "روبرت سكوت" في باليرمو 1220م-1224م ,و كان القديس
توما (أحد كبار آباء الكنيسة) كان مبهورا بأفكار ابن رشد ,و لكن كان يرفضه تحت الضغوط
فقام بتأليف كتاب ضد إبن رشد , و مع ذلك إنما استند عليه و على إبن سينا و آخرون لمجابهة
الفلاسفة الباريسيون (رشديين) ,و في سنة 1277م منعت كتابات ابن رشد في جامعة باريس
وكتب في الفقه كتابه " بداية المقتصد و نهاية المجتهد" و الذي
لا يزال إلى اليوم يطبع ,وأما الكتب الطبية فله كتاب "الكليات" الذي كان الكتاب الرسمي المقرر في جامعات
القرون الوسطى
,و الذي ترجم إلى لغات عديدة ,و هو دراسة شاملة في سبعة مجلدات يتحدث فيها عن التشريح
و الفيسيلوجيا و العلاج الطبيعي و طب الغذاء و النظافة الصحية وغيرها , و له أيضا
شرح على أرجوزة إبن سينا في الطب
وله كتاب صغير جدا , لكنه مهما جدا هو " فصل المقال ,فيما بين الحكمة
و الشريعة من الإتصال" بحيث سعى ابن رشد للتوفيق بين الفكر الديني و الفكر الفلسفي
وله موقف آخر ,هو دعوته إلى التأويل في النصوص , بحيث تخضع النصوص للبرهان
العقلي. و من المعروف أن المعرفة الصوفية تقوم على العرفان ,و المعرفة العقلية تقوم
على البرهان
إبن رشد : إن الناس ثلاثة أصناف :الجمهور الغالب ,الذي يؤخذ بالوجدان
و العاطفة , والجدليون الذين يستخدمون العقل
والنخبة الأعلى و هي البرهانيون ,الذين يحللون الأمور العقلية بمنطق
الملاحظة و التجربة و الإستنتاج
إبن رشد و إبن عربي يمثلان تيارين فكريين ناضجين جدا في الحضارة الإسلامية
, إبن عربي يمثل العرفان الصوفي و إبن رشد يمثل البرهان العقلي.وقد التقيا في حياتهما
و كان حينها
ابن عربي لا يزال فتى ,لكن متوقد الذكاء , فصرح ابن رشد لوالده أن ابنه
سيكون له شأن عظيم في الفكر(د.محمد
قجة-باحث في تاريخ الحضارات-سوريا)
إبن رشد : لم أتوقف عن القراءة و الكتابة طيلة حياتي إلا ليلة دخولي على
زوجي (ليلة الزواج) و ليلة وفاة أبي
و لقد رد ابن رشد في كتابه تهافت التهافت على أبي حامد الغزالي في كتابه
تهافت الفلاسفة ,الذي كان له تأثيرا سلبيا كبيرا على الفكر الإسلامي , و قد تناول فيه
أبو حامد 20 مسألة ,لم يكفر فيه الفلاسفة إلا في ثلاثة مسائل فقط
و اعتبر أن ابن سينا و الفرابي قد انحرفا عن النهج السليم أو الصراط المستقيم,في
آخر الكتاب كفرهما و من تبع نهجهما (د.سيد نظام الدين -جامعة بريستون-أمريكا)
يقول ابن رشد بأن اتهامات الغزالي للفلاسفة غير صحيحة, فهو اعتمد على
كتب ابن سينا , و كان الأجدر أن يرجع إلى كتب أرسطو نفسه , حتى لا يتسرع في اتهام الفلاسفة
و لقد كان إبن رشد من اتساع أفقه و نضوج عقله و إنصافه أن شرح كتاب أبي
حامد الغزالي "المستصفى" و قدمه للناس مع أنه كان في صراع معه حول الفلسفة
(د.عبد الحميد مدكور-أستاذ الفلسفة
الإسلامية-القاهرة)
و عندما توفي أبو يعقوب الخليفة , تلاه ابنه أبو يوسف الذي كان غير مهتم
بالفلسفة كأبيه ,فأصبح عدائيا بتأثير من السلطة الدينية للمرحلة إذ جاؤوا للخليفة ببعض
شروحات إبن رشد لأرسطو و فيها : و قد تبين أن كوكب الزهرة هو إحدى الآلهة
مع أنه لم يكتب إبن رشد ذلك بتاتا, فاستدعاه الخليفة ,و حين امتثل إبن
رشد قال له أن ذلك ليس خطي , لكن الخليفة لم يصدقه و لعنه و أمره أن يخرج من القصر فورا
و في إحدى النصوص قال إبن رشد في رسالة له للخليفة ,سماه سلطان البرين
( البر الأندلسي و البر المغربي) فحرف بعض الحساد رسالته إلى سلطان البربر فغضب الخليفة لذلك
و بعد أن طرده من القصر ,أمر بنفيه إلى بلدة اليسانة التي كان فيها يهود
(د.قاسم عبده قاسم-أستاذ التاريخ-جامعة الزقازيق) : و كان في عرف تلك العصورأنهم إذا أرادوا أن يذلوا قاضيا أو أحدا ,يرغمونه ان يلبس عمامة ملونة تشبه اليهود
أو النصارى
ثم أصدر قرارا بحرق
كل كتبه ,و كتب التنجيم و المنطق و الفلسفة , لماذا ؟ لأن التنجيم كذب في معرفة الغيب
"و لا يعلم الغيب إلا الله" إذن تحرق
المنطق , يعتبر مدخلا للفلسفة ,فإذا كانت الفلسفة كفرا و شرا , فمدخلها
شر ,و لذلك تحرق كل كتب المنطق و الفلسفة
لكن و لكون بعض كتب إبن رشد قد ترجمت إلى العبرية , فقد تم تسريبها و
إنقاذها من الحرق
و بعد عام من النفي عفا الخليفة عنه فرجع إبن رشد , و لكنه لزم بيته
,و قال في إحدى كتبه أن أعظم ما طرأ علي بعد النكبة ,أني حاولت و إبني أن أدخل مسجدا
للصلاة , فصدني بعض حمقى العوام و منعوني
من يقف على هرم أعظم الفلاسفة , أرسطو في الفلسفة اليونانية الذي نقد
كل الذين سبقوه حتى أستاذه أفلاطون
ثم و بالترتيب التاريخي : إبن رشد الذي نقد كل التيارات الفلسفية التي
سبقته . الثالث حسب المؤرخين هو توما الأكويني
ثم الرابع و الأخير ,كانط الفيلسوف الألماني بثلاثيته النقدية
بوفاة إبن رشد , انتهى وجود الفلاسفة العرب , لكن لم تخلو الساحة من مفكرين
إبن رشد كان فيلسوفا إسلاميا مهما جدا في مرحلة القرون الوسطى, و إتجاهه
العقلاني في الجمع بين المنطق و الإيمان كان ذو تأثير كبير في حياته
و بعد مماته , خاصة في أوروبا .و في عام 1991 و أخيرا بفضل الفيلسوف الفرنسي
"جون بيرفاي" أعيد تقديم رسميا إبن رشد في جامعة باريس
و حين نزور باريس و نذهب لمكتبة "سان جينيفيف" نجد ما بين الشخصيات
التاريخية للإنسانية , نجد اسم ابن رشد محفورا على واجهتها
ما هو تأثير إبن رشد في الطب
؟
لقد كان هو و إبن سينا و الرازي , من وصفوا القواعد الأساسية للطب في
العالم , و استمر تأثيرهم حتى القرن السابع و الثامن عشر
لا تنم حتى تقترب من هدفك و لو خطوة صغيرة
فليس المهم أن تجري بقدر ما هو مهم أن تواصل
حتى النهاية
انضموا إلى صفحة مدرسة الفكر و الجمال حتى يأتيكم كل ملخص جديد